كتب – دعاء حسين
لماذا نكتب؟
ربما وقع هذا السؤال مألوف للكثيرين، ولكن إجابته تحتاج لبعض الوقت لتهيئة النفس والعقل للإبحار بداخلهما، واقتلاع الجواب من مكنوناتهما المتوارية خلف أحداث الحياة المتسارعة، والعشوائية المتمردة، الناتجة عنها.
أزعم أنني لا يمكنني البت في حتمية صحة جوابي على هذا السؤال، ولكنني سأحاول طرح بعض التخمينات المنطقية، التي قد تؤدي إلى إجابة مقنعة في النهاية، وربما لا.
نكتب لأن المشاعر والأحاسيس، التي تختلج صدورنا، ذات أنياب حادة، عصية، تنهش في نفوسنا، تؤلمنا كسياط الكرابيج، أو وقع سقوط المياه الساخنة على الجلود، أو طرق المسامير الحاد فوق الرؤوس، ولا تبرح حتى تعانق الحروف – في تحرر – على صفحات بيضاء.
نكتب لكي نشعر بوجودنا، ونسجل حضورنا على صفحات التاريخ، ونعطي حروفنا حقها في الخلود، في واجب، اتجاه أنفسنا أولًا، لا يمكننا التغاضي بجبن وسفه عنه، و اتجاه شركاء قادمين إلى الحياة. تغلفنا الخسة، إن أطفأنا أنوار دروبًا، يحتاجون إلى هديها، كي لا ينغرسوا في أغوار، نجونا منها بصعوبة مسبقًا.
نكتب لكي نهرب من دوران الحياة، ونعيد التوازن إلى أنفسنا، لتُفتح أعيننا على مصرعيها، وتتطلع بروية داخل مكنونات نفوسنا، و مؤرقات عقولنا، وأسقام أرواحنا، فتساعدنا على إدراكها والتعامل معها.
نكتب لكي نسافر إلى أحلامنا وأمالنا، فنقبض عليها، ونلمسها، ونغط بهناء في راحاتها، ونستمد منها طاقة صاروخية، تدفعنا إلى تحويلها لواقع نجسه بحواسنا وننعم به.
نكتب لكي نرفع الظلم عن عوالمنا، فتنطلق الأسهم من الأقواس، والرماح من الأياد، فتصيب كبد الحقيقة، فينقشع عنها الغبار، وتحيط بجسد الظلم، فتضيق عليه الخناق.
نكتب لكي نلجأ من ضعف إلى قوة، تتولد من طاقة متصلة بيننا وبين الحبر والأقلام، ناتجة عن عملية شد وجذب مستمرة، تفنى بفناء الحياة.
نكتب لكي نشعر بقيمة ذواتنا أو لنضفي عليها قيمة، يدفعنا غرورنا إلى التشدق بها وإبرازها في تباه للأخرين.
نكتب لكي نملأ براح العالم بأصداء أصواتنا، لتحل محل الخوف، وينقشع السكون، الذي لا يليق بمحيط الإنسان.