مع بلوغنا لمنتصف شهر رمضان ،يمكن القول ان الشركة المتحدة هذا العام قدمت في باقتها تياراً جديداً في الدراما يمكن تسميته ب (الدراما الجديدة )نسبة لمصطلح (السينما الجديدة )الذي اطلقه الراحل سمير فريد علي أفلام عاطف الطيب ومحمد خان وخيري بشارة في الثمانينات..
تيار (الدراما الجديدة )عبر عنه في النصف الأول من رمضان مسلسلين قدمتهما الشركة المتحدة ،أولهما هو (مسار إجباري )بطولة عصام عمر واحمد داش وصابرين وبسمة وإخراج نادين خان عن معالجة درامية لباهر دويدار وشركاء في كتابة السيناريو ..يحمل العمل معالم جدة وجدية من اول اسناد البطولة لممثلين لديهما فهم مختلف للتمثيل والعلاقة بالشخصية ،والمغامرة عليهما في دور البطولة المطلقة بعد تجارب ناجحة لكل منهما حملت بوادر نجاح واضح ، من معالم الدراما الجديدة ايضاً المعالجة المختلفة لصراع الخير والشر وبعد المسلسل عن الاستنساخ من اعمال قديمة سينمائية او تلفزيونية او التأثر بها ومفارقة المعالجة للتيمة التي تدور في رحاها الدراما المصرية تأثراً بهوليود الثمانينات حيث البطل الفرد الذي يخوض صراعات متعددة ينتصر فيها كلها في النهاية ..
في (مسار إجباري ) هناك اكثر من خط درامي يتأسس عليه العمل ،فهناك الخط البوليسي حيث الفتاة القتيلة والأب المتورط في تضليل العدالة تجاه قاتلها ،وهناك خط الاسرتين اللتين تجدان بعضهما البعض فتنتقلان من الخصام الي التآخي وكأن الاب الشرير بدرجة ما كان سبب ابتعاد الاخين عن بعضهما تماماً كما كان سبب وجودهما البيولوجي ،وهناك الوجوه الإنسانية والاقنعة المحامي الذي هو في حقيقته مجرم ،وصديقة البطل عصام عمر الانتهازية ،واستاذ الجامعة الذي نتعرف عليه في ثوب المظلوم ثم نكتشف تورطه ..علي مستوي الإخراج هناك نادين خان القادمة من عالم السينما مع تجارب درامية ناجحة والتي ورثت من محمد خان ذلك العشق للتفاصيل والمناظر الخارجية (تحديداً عربة الطعام والفضاء المحيط بها … باختصار يمكن القول ان كل العناصر تشير الي نوعية دراما جديدة مفارقة للدراما التقليدية يقدمها شباب اكثر انفتاحاً علي الفن العالمي ولديهم رؤية مختلفة لصنعة الدراما بعناصرها المختلفة ..
اما العمل الثاني في باقة الدراما الجديدة هذا العام فهو (لحظة غضب )للمخرج الشاب عبد العزيز النجار صاحب مسلسل (حالة خاصة )،والمؤلف الشاب مهاب طارق صاحب التجارب الناجحة خلال العامين الأخيرين ..ينتمي (لحظة غضب )بجدار لتيار الدراما الجديدة لاعتبارات مختلفة أهمها انه لا يقدم حدوتة تقليدية بالمعني التقليدي ،لكنه يضع مشاهده في حالة بين كون الاحداث واقعية او متخيلة في ذهن البطلة ،وثانيها انه دون صوت عال يقدم مراجعة حول مفهوم الخطأ والعنف والجريمة ،فالزوج المقتول كان يغتال زوجته كل ثانية بالسخرية والتجاهل والتنمر وهي أفعال لا يجرمها القانون بين الزوجين في حين انه بكل تأكيد يجرن رد فعلها الذي أدي الي موته ..مع الأحداث نري رحلة البطلة نحو التحرر من خوفها ،ثم تشجيعها لجارها علي قاسم علي التحرر من خوفه من الرجل الذي يعمل لحسابه .. وبالتالي نحن إزاء عمل يحمل مضموناً عميقاً، يخالف فكرة صراع الخير والشر البسيط الذي تقدمه الدراما العادية وتوفق في تقديمه أحيانا وتخفق في أحيان اخري ، هذا المضمون يتم تقديمه بعناصر فنية متميزة وبوجوه جديدة نسبياً علي أدوار البطولة او علي نوعية هذه الأدوار ما يجعل العمل طازجاً علي نحو كبير ويستفز قدرات الممثلين لإثبات جدا رتهم فيخرج الجميع رابحين ،وفي (لحظة غضب )مثلاً كان من عناصر التميز شريط الصوت والأغاني التي قدمتها الفنانة دينا وائل ،وهي تغني بطريقة غير تقليدية اقرب لطريقة فرق (الاندر جراوند )المستقلة …
بكل تأكيد فان الدراما التقليدية لها جمهور كبير قد يكون هو الكتلة الأكبر ،وهو امر تفهمه شركات الإنتاج التي تخاطب جميع الأذواق وتحرص علي ان يجد كل مشاهد المسلسل الأقرب لذائقته ،ومع ذلك فالتحية واجبة للشركة المتحدة علي تقديمها لهذين العملين في النصف الأول من رمضان ضمن خطة تتبناها لتقديم المواهب الشابة في الدراما وغيرها ولعل هذا النجاح يدفعني الي المطالبة بنسبة اكبر من المغامرة في المواسم القادمة بعد ان اثبتت الدراما الجديدة تفوقها بامتياز.