كتب – جلال الشايب
ونحن على أعتاب معرض القاهرة الدولى للكتاب، أو عيد القراءة السنوى، أقدم بعض النصائح لمحبى القراءة:
حدد وقتا محددا للقراءة، ساعة أو ساعتين كل يوم، فالقراءة ليست نشاطا ثانويا نمارسه عندما ننتهى من أنشطة حياتنا اليومية الأخرى، وإنما نشاطا أساسيا ينبغى أن نفرغ له الوقت المطلوب.
لا تكتفى بقرتءة الأعمال الأدبية فقط وإنما وازن بين قراءة الأعمال الأدبية والأعمال غير الأدبية، الفكرية والتاريخية والعلمية والفنية وغيرها. فمن لا يقرأ سوى القصص والروايات، يقترف خطأ فادحا بقراءته لنوع واحد فقط من الكتب.
أقرأ بتوسع فى مجالات المعرفة كافة، وأقرأ بتعمق فى أحد هذه المجالات، أى حاول أن تنمو أفقيا ورأسيا فى وقت واحد. والواقع أن هذا ما يحدث بالفعل لكل شخص يقصد إلى القراءة والثقافة، فإنك لن تجد مثقفا إلا وله بؤرة اهتمام أو بؤرات قليلة، يتجمع فيها نشاطه ثم يتشعب منها إلى موضوعات الثقافة الأخرى.
لا تقرأ جزافا أو بعشوائية وإنما ضع خطة مسبقة، حتى تكون القراءة مفيدة ومثمرة. على سبيل المثال، خطط أن تقرأ خمسة كتب فى تاريخ مصر الحديث لخمسة مؤلفين مختلفين حتى تلم بوجهات النظر المختلفة، ولا تقرأ وجهة نظر واحدة فقط، أو خطط أن تقرأ أعمال نجيب محفوظ الكاملة خلال الشهور الستة القادمة حتى تفهم جيدا أسلوبه وفلسفته فى الحياة المضمنة فى كتبه، أو خطط أن تقرأ مجلدا كل شهر من كتاب “قصة الحضارة” للكاتب والمؤرخ الأمريكى ويل ديورانت، والذى يصل عدد مجلداته إلى اثنين وأربعين مجلدا، حتى تدرك جهاد الإنسان نحو التقدم والحرية والحضارة، وهكذا.
انتقى ما تقرأ، فليس كل الكتب مفيدة وتستحق عناء القراءة، وأوقات القراءة فى عصرنا أصبحت محدودة ويجب استغلالها بحكمة. يقول المفكر الإنجليزى فرانسيس بيكون: “بعض الكتب يمكن تذوقها والبعض الآخر يمكن ابتلاعها والقليل منها تمضغ وتهضم”. وكما نختار أجود الأقمشة لملابسنا، كذلك يجب أن نختار أفضل الكتب لتثقيفنا، وذلك بأن نعمد إلى أفضل المؤلفين الذين نعرف أننا ننتفع بهم فنقرأ مؤلفاتهم، وفى عالم الثقافة هناك كتب تعد أمهات يجب أن يقتنيها ويقرأها كل مثقف.
أقرأ بتمعن وعمق، لا تندفع فى القراءة كأنك فى سباق محموم، بل أعد قراءة الأجزاء التى تعتقد أنها الأهم حتى تفهم مغزاها جيدا وتستوعب معناها تماما. يقول الكاتب اللبنانى أمين معلوف: “إذا قرأت قراءة فعلية أربعين كتابا حقيقيا خلال عشرين عاما، فبوسعك مواجهة العالم”.
أدخل فى حوار مع مؤلف الكتاب، لا تأخذ ما يقوله المؤلف دون تفكير، بل ناقشه فى غضون القراءة، فتصبح قراءتك عندئذ إيجابية فاعلة وليست سلبية خاملة. يقول المفكر الكبير الدكتور زكى نجيب محمود: “أقرأ وكأن الذى معك ليس كتابا من صفحات مرقومة بحروف وكلمات، بل كأنك تتحدث مع مؤلف الكتاب، أقرأ وكأن الذى معك هو الرجل الحى يعرض عليك فكرته أو خبرته بصوت مسموع، ففى هذه الحالة ستجد نفسك مدفوعا إلى مراجعته ومساءلته جزءا جزءا، ومعنى معنى، وهكذا تكون القراءة الحية بفاعليتها الذهنية”.
أقرأ وأنت ممسك بالقلم فى يدك لكى تحدد الفقرات المهمة، وترسم خطوطا تحت العبارات التى لفتت نظرك، وعلم فى فهرس الكتاب على الفصول المهمة، وعلق على رأى الكاتب فى الهوامش، فأنت حين تفعل ذلك تشارك المؤلف فى كتابه.
أدرس ولا تقرأ فقط، أى لا تقرأ بهدف قضاء الوقت والتسلية فحسب، وإنما بهدف الدراسة أيضا، حتى لو كنت تقرأ رواية أو مجموعة قصصية، والفرق بين القراءة من أجل التسلية والقراءة من أجل الدراسة، هو أن الأولى يقصد منها اللهو بلا غرض أما الدراسة فتحتاج إلى مجهود بغرض الانتفاع.
لا تترك كتابا قد قرأته إلا ولك عليه حكم، وذلك بأن تلخص كل ما تقرأ، حتى إذا انتهيت من تلخيص كتاب، حكمت عليه هل كان يساوى الوقت والمال اللذين أنفقتهما فيه أم كانت قراءته إضاعة لهما؟ فنحن نقرأ وندرس كى ننتفع ونرتقى وكى تتسع آفاقنا الذهنية، فإذا لم يحدث شىء من هذا، فإننا يجب أن نأسف على وقتنا الذى ضاع، وأن ننصح غيرنا بألا يقع فى الخطأ الذى ارتكبناه بقراءة كتاب سخيف.
أقرأ الكتاب الجيد أكثر من مرة، يقول الكاتب الكبير عباس محمود العقاد: “كتاب تقرؤه ثلاث مرات، أنفع من ثلاثة كتب تقرأ كل منها مرة واحدة”. ويقول الكاتب الإيرلندى أوسكار وايلد: “إذا لم تستمتع بقراءة كتاب مرارا وتكرارا، فما الفائدة من قراءته من البداية؟”.
أخيرا، يجب أن تدرك جيدا أن القراءة للحياة وليست الحياة للقراءة، لأن بيت القصيد فى الحياة هو الحياة نفسها.